الحراك الإخباري - إدارة الرئيس دونالد ترامب تريد تركيع جامعة هارفارد
إعلان
إعلان

إدارة الرئيس دونالد ترامب تريد تركيع جامعة هارفارد

منذ 9 ساعات|الأخبار


من واشنطن: محمود بلحيمر


إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ماضية في سياسة ممنهجة لإخضاع جميع المؤسسات التي لا تنسجم مع التوجهات السياسية لحركته "ماغا" (أي جعل أميركا عظيمة مرة أخرى)، ومن بين تلك المؤسسات جامعة هارفارد العريقة في ولاية ماساتشوسيتس. فالكثير من الأميركيين باتوا يستغربون الميول الديكتاتورية لترامب في ولايته الثانية، لكن أن تصل إلى حد معاقبة الجامعات وفرض عقوبات انتقامية ضدها لأنها لم تذعن لأوامره فهذا واقع لم يكن يخطر على بال أحد في بلد العم سام. ويبدو أن الكثير من الطلاب الأجانب في القارات الخمس، الحالمين باللحاق بهذا الصرح العلمي الحلم المرموق، مصدومون أيضا.

في فصل جديد من ضغوط إدارة ترامب على جامعة هارفارد، أعلنت وزارة الأمن الداخلي امس الخميس 22 مايو 2025 منع هارفارد من تسجيل الطلاب الأجانب. وقالت الوزارة في بيان إن "هذا يعني أن جامعة هارفارد لن تتمكن من تسجيل الطلاب الأجانب، ويجب على الطلاب الأجانب الحاليين الانتقال إلى جامعات أخرى أو فقدان وضعهم القانوني"، أي الإقامة والدراسة في الولايات المتحدة. واتهمت كريستي نويم وزيرة الأمن الداخلي إدارة جامعة هارفارد "بتشجيع العنف، ومعاداة السامية، والتنسيق مع الحزب الشيوعي الصيني داخل حرم الجامعة.." وشددت على أن هذا القرار هو بمثابة تحذير لجميع الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في جميع أنحاء الولايات المتحدة". وفي بيان صحفي منفصل، قالت وزارة الأمن الداخلي "إن الوزيرة نويم تُوفي بوعدها بحماية الطلاب ومنع المتعاطفين مع الإرهاب من الحصول على مزايا من الحكومة الأمريكية".

وتفيد بيانات رسمية من جامعة هافارد أنها تستضيف حاليا 6800 طالب أجنبي من أكثر من 140 دولة، بما يمثل نحو 27 في المائة من مجموع طلاب الجامعة.

وضمن ضغوطها على هارفارد ألغت إدارة ترامب في منتصف أبريل الماضي منحة بقيمة 2.2 مليار دولار هي جزء من التمويل الحكومي المخصص للجامعة، وسبق ذلك قرارٌ آخر بإلغاء منحة أخرى بقيمة 450 مليون دولار، واتهمت إدارة ترامب الجامعة بأنها "لم تلتزم بمطالب البيت الأبيض بتغيير سياساتها". وقد لجأت جامعة هارفارد إلى القضاء لاسترجاع التمويل، ودافع رئيسها، آلان غاربر، بشدة عن مواقف المؤسسة في بيان نقلته الصحافة قال فيه "أبلغنا الإدارة من خلال مستشارنا القانوني أننا لن نقبل الاتفاق الذي اقترحوه، ولن تتنازل الجامعة عن استقلاليتها أو حقوقها الدستورية".  

من ضمن ما أجج الخلاف بين الجانبين أن وزيرة الأمن الداخلي طلبت من الجامعة، ضمن تحقيق تجريه وزارتها منذ أبريل، معلوماتٍ وافية ً عن الطلاب الأجانب من حاملي تأشيرات، بما في ذلك معلومات عن أي طالب متورط في أنشطة غير قانونية، متهمة الجامعة بأنها "خلقت بيئة تعليمية معادية للطلاب اليهود". غير أن إدارة هارفارد رأت أن طلبات إدارة ترامب تجاوزت سقف البيانات المسموح للجامعة قانونا بمشاركتها معها، وتجاوزت الحدود القانونية لسلطة الحكومة، وقالت إنها ستزوّد الحكومة فقط بالمعلومات "المطلوبة قانونا".

ماذا تريد إدارة ترامب من جامعة هارفارد؟

نقطتان لفهم حملة إدارة ترامب الانتقامية على جامعة هارفارد: أولا؛ التظاهرات المنددة بالحرب الإسرائيلية على غزة والداعمة لحقوق وحرية الشعب الفلسطيني، والتي كانت جامعات عريقة مثل هارفارد وكولومبيا في نيويورك حاضنة لها خلال العام الماضي. ثانيا؛ استقلالية الجامعة والحرية الأكاديمية التي لا تقبل المساومة أو التدخل من جانب أي إدارة أميركية، والتي كانت إلى عهد قريب محل اعتزاز وفخر المجتمع الأكاديمي في أميركا.

هارفارد وجامعات أميركية أخرى وجدت نفسها بين المطرقة والسندان كما يقال؛ ضغوطٌ غير مسبوقة من الإدارة تحضُّها على أن تمنع تماما التظاهرات المطالبة بوقف حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة من جهة، وحرصها الشديد كمؤسسة أكاديمية على الوقوف إلى جانب مبدأ حرية التعبير أو (Free speech) المنصوص عليه في التعديل الأول للدستور الأميركي، والحرية الأكاديمية مصدر فخرها واعتزازها من جهة أخرى. ولقد بذلت هذه المؤسسات التعليمية جهودا كبيرة من أجل التصدي للعنف داخل الحرم الجامعي وتهدئة الجو المشحون الذي تسبب في تعطيل الدراسة، وللصدي لمعاداة السامية وضمان حقوق الطلاب من اليهود ومن مشارب دينية وثقافية وسياسية أخرى،، لكن تلك الإجراءات لم تشفع لها أمام إدارة ترامب التي ترى أن ذلك غير كاف.

لقد صارت التظاهرات المؤيدة لحقوق الفلسطينيين تؤرق المؤسسة السياسية في واشنطن، التي تؤيد بشكل مطلق إسرائيل مهما كانت التجاوزات التي ترتكبها في حق المدنيين الفلسطينيين في غزة. وأقلقت تلك التظاهرات النخبة السياسية التي كانت تعتقد أن الرأي العام الأميركي سيبقى على موقف الانحياز لإسرائيل، لكن الجيل الجديد من الشباب المتعلم في الجامعات التي تتيح حرية التعبير بات يتحرك بقوة عكس التيار، وهذا ما أقلق الأوساط السياسية وجعل إدارة ترامب تبحث عن الأدوات التي تسمح لها بالضغط على الجامعات، لاسيما من خلال وقف التمويل، من أجل سحق هذه الحركة السياسية غير المتوافقة مع ما تصبو إليه حركات مؤيدة لإسرائيل مثل: رابطة مكافحة التشهير، واللجنة الإسرائيلية الأميركية للشؤون العامة "آيباك".

رغبة في سحق حركة النضال من أجل الفلسطينيين

وخلافا لإدارة الرئيس السابق جو بايدن ، تبدو إدارة ترامب صارمة في الذهاب بعيدا لتركيع الجامعات حتى تسحق حركة النضال الفلسطينية. ففي مقال طويل نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في 18 مايو 2025، بعنوان: " المجموعة التي تقف وراء مشروع 2025 لديها خطة لسحق الحركة المؤيدة للفلسطينيين"، ورد فيه أنه حتى قبل إعادة انتخاب ترامب، فإن "مؤسسة هيريتيج" (The Heritage Foundation) المحافظة التي أعدت "مشروع 2025"، والذي أعتبرَ الأرضية لسياسة ترامب خلال الولاية الثانية، سعت إلى القضاء على النشاطات المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة. ويكشف المقال عن خطة تحت إسم "مشروع إستر" تتحدث آنذاك عن إزالة ما يصفه بالمناهج الدراسية التي يُعتقد أنها تُناصر "الخطاب المؤيد لحماس" من المدارس والجامعات وتطهير منصات التواصل الاجتماعي من المحتوى الذي يُعتبر "معاديًا للسامية" وحرمان المؤسسات من التمويل الحكومي وإلغاء تأشيرات الطلاب الأجانب الذين دافعوا عن حقوق الفلسطينيين أو ترحيلهم إلخ. وتقول نيويورك تايمز إنه منذ تنصيب ترامب دعا البيت الأبيض وجمهوريون آخرون إلى اتخاذ إجراءات تبدو وكأنها تعكس أكثر من نصف مقترحات "مشروع إستر".

وليس أدل على ذلك من قضية اعتقال الطالبة التركية، روميسا أوزتورك، في الشارع بينما هي في طريقها للقاء أصدقائها على مأدبة إفطار رمضاني، وتحويلها لأحد سجون إدارة الهجرة، والتهمة: كتابة مقالة رأي قبل فترة طويلة تؤيد فيها الفلسطينيين! وهو أمر لم يتصور أحد أنه سيحصل في أميركا، ويعيد إلى الأذهان عودة زمن المكارثية حيث كان تهم الخيانة والانتماء للشيوعية والعمل لصالح الاتحاد السوفياتي توجه جزافيا.

أما مسألة الحرية الأكاديمية واستقلالية الجامعات التي تقلق إدارة ترامب فهي تكشف عن رغبة حركة "ماغا" والمحافظين المؤيدين له في كسب حرب إيديولوجية معلنة مع خصومهم في المعسكر المقابل المسمى "اليسار" والديمقراطيين عموما. فترامب اتهم جامعة هارفارد بأنها "يسارية متطرفة معادية للسامية" و"فوضى تقدمية"، وقال إنها "تقبل طلابا من العالم أجمع يريدون تدمير بلادنا". يبدو أن فريق ترامب و"ماغا" غير مرتاحين للنقد اللاذع الذي يتعرضون له من قبل النخبة الأكاديمية من رابطة "إيفي" (IVY LEAGUE) التي تضم أشهر ثماني جامعات أميركية، ويرون أنها نخبوية ليبرالية متحيزة للديمقراطيين على العموم ومناهضة لسياسات وأفكار المحافظين. فهارفارد وكولومبيا وغيرهما تبدو لفريق ترامب أنها مؤسسة ليبرالية قوية تعمل على تعزيز القيم التقدمية، على حساب المحافظين والقيم الأمريكية التقليدية التي يبني عليها الجمهوريون شعبيتهم. وهذا جزء من حرب سياسية ثقافية مستعرة في أميركا.

و في حال نجحت إدارة ترامب في منع التحاق الطلبة الأجانب بجامعة هارفارد فإن الخاسر الأكبر هو المجتمع العلمي في أميركا. فالجامعة المرموقة كانت جذابة للعقول وللذكاء الخارق من خلفيات ثقافية متعددة بالعالم تستفيذ منها أميركا والاقتصاد الأميركي أولا، وغيابها يعني خسارة كبيرة لأميركا.

م.ب

تاريخ May 23, 2025