هل انتهت الزيارة القصيرة لرئيس الوزراء الفرنسي "غابرييل أتال" لقصر "ماتينيون" (مقر الحكومة في باريس)؟ لقد أصبح هذا السؤال الأشد في أذهان الفرنسيين منذ ساعة تقريبا.
في التفاصيل، قبل الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" اليوم الثلاثاء استقالة رئيس الوزراء "غابرييل أتال" وحكومته في أعقاب الانتخابات البرلمانية المبكرة وغير الحاسمة التي جرت مؤخرا وانتهت بتقدم اليسار وحلفائه على حساب معسكر الرئيس واليمين واليمين المتطرف.
ومع أن أتال الذي لم يبقى في "قصر ماتينيون" إلا أشهر وكادت تعصف به في أيامه الأولى ثورة المزارعين لا يبدو أن غزوة الصناديق التي جرت ثلاثة مرات على الأقل خلال الانتخابات الأوروبية والانتخابات الفرنسية في دورها الأول والثاني ستأثر عليه في المدى المنظور خاصة وأنه سيبقى بمكتبه مكلفا بتسيير الأعمال إلى غاية تعيين الحكومة الجديدة.
وخلال هذه الفترة التي يرجو الفرنسيون ألا تكون طويلة، سيسمح لأتال وأعضاء آخرين من حكومته بما في ذلك وزير الداخلية "جيرالد دارمانين"، بحضور جلسات البرلمان والمشاركة في انتخاب رئيس الجمعية الوطنية في أولى جلساتها الخميس المقبل.
وبخلاف زيارته الأولى للقصر سيكون أتال وحكومته خلال هذه الفترة مسؤولا عن تسيير الشؤون الطارئة وإدارة الشؤون العمومية لكنه لن يتمكن من تقديم مشاريع قوانين إلى البرلمان بما في ذلك قوانين المالية والميزانية السنوية كما سيكون له دور هامشي في المجال التشريعي ولن يستطيع القيام بأي تعديلات كبيرة.
وسيكون أمام حكومة أتال بيس (مكرر) تحدي الإدارة الجيدة للشؤون العمومية خاصة في الفترة الممتدة بين 26 جويلية الجاري و11 أوت المقبل عندما ستسهر على سلاسة سير دورة الألعاب الأولمبية التي تقام بباريس ولاسيما في الجانب التنظيمي والأمني.
وقد يكون هذا الحدث الرياضي الذريعة الوحيدة التي ستبقى على أتال وسائر حكومته من الماكرونيين الجدد في مكاتبهم حيث لم يسبق في فرنسا أن بقيت أي حكومة لتصريف الأعمال إلا بضعة أيام.
ومع ذلك ليس محددا اليوم الثلاثاء الحيز الزمني الذي ستشغله هذه الحكومة لتصريف الأعمال والمدة التي ستقضيها في السلطة وخصوصا أنها محصنة من البرلمان الذي لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يجبرها على الاستقالة أو يحجب عنها الثقة.
أزمة "اليسار" تدخل البلاد في "بلوك سياسي"
وما إن انتهت الانتخابات البرلمانية الفرنسية التي أفرزت جمعية وطنية ليس فيها أغلبية لأحد حتى طرح الفرنسيون السؤال الصعب، كيف ستتجاوز النخبة السياسية "البلوك السياسي" الذي دخلته البلاد؟ ولماذا أصبحت فرنسا وهي ثاني اقتصاد في منطقة "اليورو" صعبة الحكامة؟
ولأن الكوارث لا تأتي فرادى، فلم يكفي البلوك السياسي الوطني حتى بدأت أزمة اليسار الفرنسي الذي احتدم داخله الخلاف حول مسألة جوهرية من هو رئيس الوزراء الجديد الذي سيخلف أتال في ماتينيون؟
ودفعت الأزمة التي توشك على تفجير الجبهة الشعبية الجديدة (اليسار الجديد) من الداخل زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي "فابيان روسيل" إلى التحذير من أن هذا الخلاف بين الأحزاب اليسارية يهدد "بإغراق السفينة".
وتضم الجبهة الشعبية الجديدة عددا من الأحزاب اليسارية المتحالفة على غرار الاشتراكيين والخضر والشيوعيون وحزب فرنسا الأبية الذي ينتمي إلى أقصى اليسار ويرأسه "جان لوك ميلونشون".
وتأسس اليسار الجديد على عجل قبل الانتخابات المبكرة التي جرت على جولتين في 30 جوان الماضي وفي 7 جويلية الجاري وقد تمكنت بشكل مفاجئ من تصدر الانتخابات البرلمانية التي حاول خلالها الفرنسيون وضع جدار أمام تقدم حزب "بارديلا" الوجه الشاب لجبهة "لوبان" المتطرفة.
ولأنها لم تفز خلال هذا الاقتراع الذي كان الأشد على الجمهورية الخامسة، عادت التوترات بين التيارين (اليمين واليسار) إلى الظهور من جديد ولاسيما بعد الانهيار الداخلي لمعسكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو في بداية عهدته الرئاسية الجديدة مع إمكانية تعطل مشاريعه الإصلاحية بسبب عدم امتلاكه للأغلبية البرلمانية المريحة لتمرير القوانين المقبلة.
وفي محاولة لنقل الضغط إلى الفريق الآخر وتسهيل عملية التشظي المبكر للجبهة اليسارية الفتية، دعا الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" الأحزاب الرئيسية إلى تشكيل تحالف لتكوين حكومة ائتلافية وهو الخيار الذي يشمل بعض الأحزاب ويستبعد بشكل متعمد حزب "ميلونشون" الذي يكون قاب قوسين أو أدنى من الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ولأننا ربما نكون أمام ساعات أو إيام "حرجة" يقول "روسيل" على إحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية أن تأخر الحل قد "يغرق السفينة ومن فيها" ولاسيما أن المحادثات المؤسفة التي يخوضها اليسار لا تبشر بقرب وصولها إلى "ماتينيون" الذي يقع في شارع "دي فارين" في الدائرة السابعة بالعاصمة باريس.
لطفي فراج