الحراك الإخباري - الشيخ بوعمامة...ثائر صوفيّ يربط الجزائر بالمغرب
إعلان
إعلانات الصفقات العمومية - ANEP
إعلان

الشيخ بوعمامة...ثائر صوفيّ يربط الجزائر بالمغرب

منذ 4 سنوات|روبرتاج


بين التصوف وحقيقته، والنضال ضد المستعمر، كان الشيخ بوعمامة جبلا بقمّتين: قمة العرفان والإحسان، وقمة الجهاد والتضحية من أجل الدين والوطن ودفاعا عن الأرض والعرض، وصفه المؤرخون بـ"عبد القادر الجزائري الثاني"، بسبب قدرته على مجابهة القوات الفرنسية لمدة فاقت 23 سنة، حتى بلغت شهرته كل الأصقاع، حيث كادت مقاومته أن تعم الغرب الجزائري كله.

هو الشيخ بوعمامة، الذي لم يخش الجيش الفرنسي، بل كان في كل مرة يخدش من مهابته في معارك متتالية، عطلت التوسع الاستعماري في الجنوب الغربي الجزائري عدة سنوات.

سيدي محمد بن العربي بن الشيخ بن الحرمة بن إبراهيم، والملقب بالشيخ بوعمامة شخصية جزائرية تاريخية، مقاومة وصوفية، تنتمي إلى أولاد سيدي الشيخ التي يرجع نسبها إلى الصحابي الجليل أبي بكر الصديق، وهو قائد إحدى الثورات الشعبية في الجزائر ضد المستعمر الفرنسي بالجنوب الغربي للبلاد والتي استمرت مدة 23 سنة من 1881، تقوى أحيانا وتفتر أخرى إلى غاية 1904.

كان أبوه العربي بن الشيخ بن الحرمة يزاول مهنة بيع البرانس والحلي ما بين منطقة فكيك ومغرار التحتاني وقد وافته المنية في هذه المنطقة عام 1879.

ولد بوعمامة بقصر الحمام الفوقاني في منطقة فقيق، ما بين 1838 و1840، وفي هذه الفترة الصعبة من تاريخ الجزائر، أجبرت عائلته على الهجرة ومغادرة الأرض والاستقرار في الأراضي المغربية، فمن المعلوم أن معاهدة لالة مغنية الموقعة بين فرنسا والمغرب في 18 مارس 1845م، قسمت قبيلة أولاد سيدي الشيخ إلى فرقتين :

    أولاد سيدي الشيخ "الشراقة" أو الشرقيين وأصبحوا بموجب الاتفاقية جزائريين.

    أولاد سيدي الشيخ "الغرابة" أو الغربيين وأصبحوا بموجب نفس المعاهدة مغاربة.

حفظ القرآن الكريم صغيرا وتعلم العلوم الشرعية في الزوايا على يد مجموعة من الشيوخ، نخص بالذكر منهم والده الفقيه العربي بن الشيخ بن الحرمة، أما تربيته الصوفية فقد تلقاها عن مقدم زاوية سيدي الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمان وهو الذي أشار عليه بالذهاب إلى مغرار التحتاني جنوب ولاية النعامة بالجزائر حالياً.

تأسيسه للزاوية

ينتمي الشيخ بوعمامة عقائديا إلى الطريقة الطيبية التي حلت من المغرب الأقصى، وعن طريق الحدود وصلت إلى الغرب الجزائري، حيث انتشرت انتشارا واسعا، هذا لم يمنعه من التأثر بالطريقة السنوسية كذلك، نظراً للقرابة التي كانت بينها وبين أولاد سيدي الشيخ، على اعتبار أن منشأها كان بالغرب الجزائري.

استطاع الشيخ بوعمامة تأسيس زاوية جديدة خاصة به في منطقة المقرار التحتاني، مما زاد في شعبيته، وأكثر أتباعه ومريديه في العديد من المناطق الصحراوية.

الظروف التي سبقت مقاومة الشيخ بوعمامة

 دامت مقاومة الشيخ بوعمامة أكثر من ثلاثة وعشرين عاما، حتى أطلق عليه لقب الأمير عبد القادر الثاني، وقد اشتهر بقدرته الفائقة على مراوغة قوات الاحتلال التي لم تنجح في القضاء عليه رغم محاولاتها سياسيا وعسكريا.

منذ مقاومة أولاد سيدي الشيخ ضد الاحتلال الفرنسي بالجنوب الغربي للجزائر، أصبحت المنطقة التي تقع جنوب القطاع الوهراني تتمتع ببعض الاستقلالية النسبية في إدارة شؤونها الداخلية. وضعفت تغطية المستعمر على هذه الناحية وحتى الجيش الفرنسي كان له مركز وحيد بلبيض سيدي الشيخ. ولكن هذه المقاومة الشعبية كانت السبب في فرقة عائلة أولاد سيدي الشيخ. واضطر بعض أفرادها العيش بالمنفى في المغرب، في حين أن آخرين لجؤوا إلى أقصى الجنوب الجزائري أين استقروا بواحات القليعة.

الهدنة التي كان يتبعها سكان المنطقة بعد مقاومتهم للمستعمر سنة 1864 لم تدم طويلا. فبدأ ظهور الشراقة (فرع من عرش أولاد سيدي الشيخ) على الساحة بعد نضال سي معمر بن الشيخ الطيب (رئيس فرع الغرابة)، ضد ما يعتبر العدو في المنطقة آنذاك منذ شهر أفريل 1875. لكن مقاومة هذا الأخير لم تدم طويلا واضطر للانسحاب حيث فرضت عليه الإقامة الجبرية بعد ذلك.

سرعان ما انتهت فترة (1878 - 1880)، فظهر شخص آخر من الشراقة وهو الشيخ بوعمامة معلنا الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي بمنطقة الجنوب الغربي للجزائر.

أسباب مقاومة الشيخ بوعمامة

يكفي القول بأن رفض الشعب الجزائري للاحتلال الفرنسي يعد من أهم العوامل التي دفعت بالشيخ بوعمامة إلى الإعداد والتنظيم للعمل الثوري ضد العدو بالجنوب الوهراني، ومما لاشك فيه أن هناك جملة من الأسباب ساهمت بشكل كبير في التعجيل بإشعال الثورة ومن أهمها مقتل الضابط الفرنسي واين برونر، وهو برتبة ملازم أول، وكان يشغل رئيس المكتب العربي لمنطقة البيض في 22 أفريل 1881, مع أربعة من حراسه من فرسان الصبايحية، عندما حاول جاهدا إيقاف نشاط الشيخ بوعمامة.

كما تأثر الشيخ بوعمامة بفكرة الجهاد ضد الصليبيين الغزاة المحتلين لكونه رجل دين وصاحب زاوية، هذا إلى جانب الأفكار الإصلاحية التي وصلت إلى المناطق المجاورة وأثرت تأثيرا مباشرا على الشيخ، وكان من أبرزها دعوة جمال الدين الأفغاني والسلطان عبد الحميد الثاني إلى بناء تحالف إسلامي في إطار الخلافة الإسلامية كأساس لتغيير أوضاع المسلمين وطرد المستعمرين، وهي الأفكار التي وصلت إلى المغرب العربي كذلك عن طريق الوافدين من المشرق العربي، يضاف إلى هذا كله دور دعاة الطريقة السنوسية في إثارة سكان المناطق الصحراوية ضد تغلغل الاستعمار ومواجهته وقد كان لهذا الدور مفعوله على نفسية الشيخ بوعمامة، وهي عوامل كافية ليقوم الشيخ بوعمامة بحركته الجهادية ضد الاستعمار الفرنسي في منطقته.

كما أدى تردي الأوضاع الاقتصادية في منطقة الجنوب الوهراني إلى تفجير الأوضاع واندلاع الثورة، خاصة بعد انتشار المجاعة التي أهلكت سكان المنطقة وفقدوا جراءها كل ممتلكاتهم ناهيك عن الغبن الذي تسببت فيه السياسة الجائرة للإدارة الاستعمارية، ومنها منع بعض القبائل من التنقل ما بين 1879 و1881، خاصة قبائل آفلو والبيض وقبائل جبال القصور الرحالة، وقد تولد عن ذلك نوع من التذمر والاستياء الشديدين، وقد نجم عنها موت أعداد كبيرة من المواشي، وصلت نسبة الخسائر التي لحقت بمنطقة آفلو وحدها بثلاثمائة رأس أي 80% منها نسبة 37% (1879-1880) ونسبة 43% (1880-1881). وكذلك عزم السلطات الفرنسية على إقامة مركز عسكري للمراقبة في قصر تيوت، بعد فشل البعثة الرسمية لدراسة مشروع مد الخط الحديدي عبر الصحراء في الجنوب الغربي لإقليم وهران عام 1879.

 نتائج مقاومة الشيخ بوعمامة

 كانت ثورة الشيخ بوعمامة تحديا كبيرا لسياسة الجمهورية الثالثة والتي كانت ترمي إلى إتمام عمليات الاحتلال الشامل للجزائر واستطاعت أن تعطل وتعرقل المشاريع الفرنسية في الجنوب الغربي.

   تمثل ثورة الشيخ بوعمامة المرحلة النهائية من إستراتيجية الزعامات الوطنية في مواجهة الاستعمار الفرنسي عن طريق المقاومات الشعبية التي تعتمد أساسا على العامل الديني في تعبئة الجزائريين لمقاومة الاحتلال.

    كما تعتبر ثورة الشيخ بوعمامة من أعنف المقاومات الشعبية خلال القرن التاسع عشر بعد مقاومة الأمير عبد القادر.

  كشفت ثورة بوعمامة ضعف الفرنسيين في مواجهة المقاومة مما جعلها تبحث عن الحلول السياسية لإخماد نار الثورة خصوصا مع المرحلة الثانية 1883-1892، حين ظهرت قضية الأمان الذي كانت تبحث عنه السلطات الفرنسية من بوعمامة الذي رفضه من خلال المراسلات والمفاوضات التي كانت تسعى إليها فرنسا.

  أما الخسائر البشرية والمادية هي الأخرى فكانت من أبرز النتائج التي تمخضت عن الثورة.

  من جهة أخرى، عجلت الثورة بإتمام مشاريع السكك الحديدية في المنطقة وربط الشمال بالجنوب.

 إن مقاومة الشيخ بوعمامة حتى وإن لم تحقق أهدافها في طرد الاستعمار من المنطقة بسبب العقبات التي اعترضتها، منها على وجه التحديد عدم التمكن من توحيد فرعي أولاد سيدي الشيخ، وكذلك ضغوط السلطان المغربي عبد العزيز على الثورة، وحصرها في الحدود، إلا أنها أثبتت قدرتها على المقاومة وطول النفس وعرقلة التوسع في المنطقة.

وفاة الشيخ بوعمامة ومقتنياته

توفي الشيخ بوعمامة، رحمه الله، قرب مدينة العيون الشرقية، ودفن بها في ضريح مهيب، بناه عليه ابنه سيدي الحاج الطيب، وذلك في العاشر من رمضان الكريم 1326 ه موافق 7 أكتوبر 1908م، وفق أرجح الروايات المتضاربة.

خلف مجموعة من النصائح المفيدة النافعة، وبعض الأشعار الدينية. رحمه الله ، وطيب الله ثراه، وجعل الفردوس مثواه.

ومن المعروف أن الشيخ سيدي بوعمامة كان قد أوصى لابنه سيدي الحاج الطيب بالخلافة والمشيخة من بعده على الطريقة الشيخية، وذلك في وصية مكتوبة موجهة إلى كل المقاديم والفقراء.

كما يوجد بالزاوية الشيخية بوجدة، وفي متحف خاص مقتنيات نفيسة للشيخ بوعمامة، منها 80 مخطوطاً لمراسلات الشيخ مع القبائل، وسيفه، وسبحته، وجبيرة السلاح، والقرطاس، وبرنوسه، وراية الجهاد التي كانت تحمل شعار "لا إله إلاّ الله محمد رسول الله"، وبها طلقة رصاص، بالإضافة إلى سرج ولواحقه وصناديق كانت تستخدم لجمع الغنائم وختم الشيخ بوعمامة وختم جده الشيخ سليمان بن بوسماحة.

تاريخ Oct 27, 2020