الحراك الإخباري - الشيخ سيدي محمد الرقاني الفقيه..عاش عظيماً ومات عظيماً
إعلان
إعلان

الشيخ سيدي محمد الرقاني الفقيه..عاش عظيماً ومات عظيماً

منذ سنة|دين


03جانفي 2006م/

***********°°°***********
    هو سيدي محمد بن سيدي أمبارك الرقاني بن سيدي الشيخ بن مولاي عبد الله بن مولاي لحسن بن سيدي أمبارك بن الشيخ مولاي عبد المالك الرقاني بن الشيخ مولاي عبد الله الرقاني ينتهي نسبه إلى سيدنا الحسن سبط سيدنا رسول الله وفاطمة الزهراء رضي الله عنهم أجمعين. ولد سنة 1931م بزاوية الرقاني وترعرع في أسرة كريمة مشهود لها بالعلم والفضل، حيث سهر والده على تربيته تربية إسلامية، فتلقى مبادئ التعليم الأولية وحفظ بعض السور وتعلم الضروري من علوم الدين على يد والده سيدي أمبارك الذي كان إماما في ذالك العصر بزاوية الرقاني، ولما أتم سبعة عشر سنة من عمره أخذه والده إلى سالي عند فقيه زمانه وشيخ عصره فضيلة الشيخ مولاي أحمد الطاهري الإدريسي الحسني لينهل من معينه الصافي سنة 1948م. وبعد التحاقه بحضرة شيخه أتم حفظ القرءان الكريم، وبدأ تلقي مختلف العلوم الشرعية فحفظ كل المتون المدرَّسة كالمرشد المعين لابن عاشر، وأسهل المسالك، والرسالة، ومختصر الشيخ خليل، ومتون العقيدة كالسنوسية، والجوهرة ، والأوجلي، وإضاءة الدجنة.. ومتون اللغة كالأجرومية، ومُلحة الإعراب، وألفية ابن مالك، ومتون الأخلاق كنصيحة الهلالي، وهدية الألباب، والحكم العطائية ...
    كان الشيخ جاداً في طلبه للعلم، من أنجب الطلبة، وأكثرهم ذكاء وفطنة، جهوري الصوت، سليم النطق، حتى كان الشيخ يقدمه في قراءة القرءان وسرد صحيح البخاري على زملاءه الطلبة نتيجة صوتهم الخافت، ويضرب به المثل تحفيزاً لزملائه الطلبة قائلاً: "إذا صاح الباز فلا ديك وتنين يصيح"، كناية على صوته المرتفع وشجاعته الأدبية والعلمية التي لا تكون إلا لطالب متمكناً في مختلف العلوم المدروسة، كما كان ملازماً للشيخ في رحلاته داخل القصور التواتية حيث كان الشيخ يأخذ معه العديد من الطلبة المتفوقين ومعهم ألواحهم يشرحها لهم كلما حل بقصر من قصور توات، فكان سيدي محمد الرقاني على رأس هؤلاء الطلبة. عاصر خلال هذه الفترة العديد من الطلبة النجباء للشيخ مولاي أحمد أمثال: مولاي عمر الدهبي، والشيخ سيدي الحبيب، والشيخ باي بلعالم والشيخ الحاج عبد القادر بن سيدي سالم بن عبد الكريم المغيلي وغيرهم، فكان لهذه الرفقة العلمية أثرها في نفسه وعقله وقلبه.
   ومكث على هذا الحال خمسة عشر سنة (1948- 1963م) ينهل من بحر شيخه ويستفيد من معارفه ويأخذ من كمالاته غرفاً ورشفاً، فتضلع في شتى العلوم وتوسعت معارفه وتفتحت مداركه فأصبح فقيه زمانه وفريد عصره في الفقه والفتوى. وقد أدرك شيخه ذكاءه وفطنة ورجاحة عقله وقوة شخصيته فكان يكلفه في العديد من المهمات الرسمية في عهد الاستعمار الفرنسي خاصة في التواصل مع الثوار أثناء ثورة التحرير، ولما ضيقت السلطات الاستعمارية على الشيخ مولاي أحمد بسبب دوره الفاعل في ثورة التحرير ودعمها فقرر مغادرة البلاد إلى غاية استقرار الأوضاع كان سيدي محمد الرقاني عن جدارة واستحاق من بين الثلاثة الذين كلفهم بتسيير المدرسة، حيث قال الشيخ في كتابه نسيم النفحات ص78 ما نصه: "...الفقيه الشاب التقى السيد محمد بن مولاي أمبارك بن مولاي الشيخ المذكور، وهو تلميذ لنا وهو الذي تركته خليفة على مدرستنا مع المرحوم سيدي مولاي عمار والشريف سيدي مولاي الحبيب بن مولاي عبد الرحمان". كما ذكر ذلك في قصيدته الطويلة التي أرسلها إلى طلبته قائلاً:
ولكنه ثم الحبيب يسوسها..ونجل الرقاني بن الفطاحلة الأسد
كما ذكره الشيخ من بين الثلاثة الذين شهد لهم بالعلم والتفوق في قصيدة قال فيها:
وسل الحبيب وباي وسأل ابننا**نجل الرقاني وسائر الأصحاب
أرشـدتهـم لمعـارف بلغـوا بهـا** أعلى المراتب غاية الإعجــاب
   وبعد أن تضلع في شتى العلوم الشرعية واللغوية ونهل من مناهل وينابيع العلم والمعرفة أجازه شيخه إجازة شفهية عامة في شتى العلوم، فتوجه بعد الاستقلال مباشرة سنة 1963م لنشر العلم وبثه في صدور أبناء المسلمين، والمنطقة حين إذ تئن تحت وطأة الجهل نتيجة السياسة الاستعمارية ومخلفاتها، حيث عين أماماً وخطيباً بقصر تينولاف القديمة برقان وأسس بها مدرسة قرءانية للتعليم الشرعي في منزل الحاج المختار اقصاصي، وكان له دور كبير في تينولاف خاصة في بناء المسجد وتعليم أبناء القرية، فتتلمذ على يديه عدد كبير من الطلبة رغم أنه لم يمكث بها إلا سنوات قليلة. فقد انتقل في منتصف الستينات إلى مسقط رأسه ومرتع صباه ليرد الجميل إلى هذه البلدة الكريمة زاوية الرقاني – وبطلب وإلحاح من أعيانها- ففتح بها مدرسة لتحفيظ القرآن وتدريس العلوم الشرعية على طريقة شيخه رحمه الله. وقد أثنى عليها شيخه في كتابه نسيم النفحات قائلاً: " وللسيد محمد بن مولاي أمبارك هذا مدرسة في هذه الزاوية الرقانية يدرس فيها العلوم الشرعية ويعلم فيها أبناء المسلمين وهو إمام بها مثل والده ".
    منذ التحاقه بقريته وتأسيسه لمدرسته شمر الشيخ سيدي محمد الرقاني عن ساعد الجد والاجتهاد للتعليم والإفتاء والإرشاد، فالتحق بمجلسه معظم سكان قريته صغاراً وكباراً لتتلمذ عليه، فكان من كرم الله على هذه البلدة أن قيض لها عالماً جليلاً فذاً جدد فيها مكانة أجداده وسيرة سلفه وأيقظ فيها نشاط العلم والمعرفة، يقول المولى جل شأنه" والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه" فأصلح الله على يديه شؤون هذه البلدة، فاستقام لأهل زاوية الرقاني أمرها وعلا كعبها وذاع صيتها في أرجاء الوطن بل وحتى خارجه، فكان صاحب رأي ومشورة مكافحاً مثابراً حاملاً راية الإصلاح لا يستكين ولا يعرف جانبه الراحة، حمل بكل صدق هموم أمته، حفظ عهد شيخه وسار على منهاجه إلى أن وفاه الأجل المحتوم يوم الاثنين 03 ذي الحجة 1426ه الموافق ل03 جانفي 2006م بعد 75 سنة حافلة بجلائل الأعمال، وقد رُزئت الأمة بفقده أظله الله بسحائب الرحمة والرضوان، وجعل مقامه في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقًا.
كتبه: أ.عبد المالك طاهري

تاريخ Jan 4, 2023