الحراك الإخباري - المقاومة وإسرائيل: دلالات الإنتصار الإستراتيجي والإنهزام التاكتيكي
إعلان
إعلانات الصفقات العمومية - ANEP
إعلان

المقاومة وإسرائيل: دلالات الإنتصار الإستراتيجي والإنهزام التاكتيكي

منذ 13 ساعة|رأي من الحراك


د. محمد عبد الستار


ترددت كثيرا قبل أن أخوض مع الخائضين في الجواب على السؤال المهيمن على العقل العربي اليوم: هل انتصرت المقاومة الإسلامية في غزة أم انهزمت؟ وأحيانا تكبلك الصدمة عن الكتابة، صدمة أولائك الذين يفضلون الإستسلام للأمر الواقع، وصدمة أولائك الذين زندقوا المقاومة، وتمنوا أن تقضي إسرائيل عليها من جذورها وفي كل مكان وليس في غزة فقط. وبعد وقف اطلاق النار والتوجه نحو تطبيق المرحلة الأولى من خطة ترامب، رأيت أن أخوض برأيي لأجيب على ذلك السؤال أعلاه: هل انتصرت المقاومة في غزة أم انهزمت؟

نتائج 7 أكتوبر فلسطينيا: تكلفة إنسانية غير مسبوقة

عندما ننظر إلى الخسائر في الأرواح والممتلكات من الجانب الفلسطيني، أي الشهداء والمفقودين والجرحى والمعتقلين والأيتام والأرامل، وحجم الدمار الذي جعل غزة منطقة غير صالحة للعيش حاليا، لتدمير إسرائيل أكثر من 90 بالمئة من المنازل والمنشآت، ولا يمكن إعادة تأهيلها وإعمارها قبل 20 سنة على الأقل إذا لم تتم عرقلة إسرائيل وحلفاءها للعملية، وإذا لم تنقض إسرائيل عهدها كما تعودت منذ الأزل وعادت إلى القصف والتدمير. طبعا إذا نظرنا لهذا، فلا يمكن القول أبدا أن المقاومة انتصرت، خاصة أنها مجموعات مسلحة لا تمتلك إمكانيات كبيرة وتعتمد حرب العصابات أو الخنادق أو سميها ما شئت، وتمت محاصرتها من كل الجهات حتى عربيا وبشكل لم يكن متوقعا وهو ما أطال عمر الحرب سنتين كاملتين، ولم تتلق الدعم والإسناد سوى من حزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين في اليمن.

إسرائيليون يقرون بانهزام اسرائيل

إذا كانت المقاومة في غزة قد انهزمت بناء على السرد السابق، فهذا يعني أن إسرائيل انتصرت بالضرورة، خاصة أنها "دولة" تملك إمكانيات عسكرية غير محدودة، ومدعومة بأكبر قوة عسكرية في العالم وعلى مر التاريخ هي الولايات المتحدة، بل إن الجيش الأمريكي شارك ميدانيا إلى جانبها بعد 7 أكتوبر 2023، وتم تزويدها من قبل حلفائها بالأطنان من القنابل والأسلحة.

لكن المفارقة أن كثيرا من المحللين السياسيين والعسكريين بمن فيهم الإسرائيليين، لا يعتبرون ما تحقق نصرا، وهم يعرفون الحقائق التي تم التعتيم عليها عسكريا، خاصة فيما يتعلق بعدد القتلى والجرحى والخسائر الاقتصادية والدبلوماسية. ذلك أن بعض المصادر الإسرائيلية تشير إلى 20 ألف إسرائيلي بين قتيل وجريح، وملايير الدولارات خسائر مادية، وحصار دبلوماسي غير سابق في تاريخها.

دلالات التنازلات المؤلمة

بعد الإعلان عن خطة ترامب ووقف اطلاق النار والشروع في تنفيذ بنود المرحلة الأولى، قال القادة الإسرائيليون منهم وزير العدل الإسرائيلي أن إسرائيل قدمت تنازلات مؤلمة، وأن الحرب خلال عامين كاملين لم تقض ولن تقض على حماس. وقال محللون محايدون أن ترامب أنقذ إسرائيل بخطتة لأنها لم تعد تحتمل الحرب ونتائجها، مثلما فعلت وزيرة خارجية الولايات المتحدة كونداليزا رايس عام 2006 عندما فرضت وقف الحرب بين حزب الله وإسرائيل، وكان حينها مقاتلو حزب الله يصطادون الميركافا اصطيادا.

ثم لابد من الوقوف عند تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوم 11 أكتوبر 2025 عندما قال بأنه أعطى الأوامر للجيش بالإستعداد لتدمير خنادق حماس بعد انتهاء عملية تبادل الأسرى. ما يعني أن هناك إقرار رسمي أن إسرائيل لم تنتصر لحد الآن.

إذن من الذي انتصر: إسرائيل أم المقاومة؟

هذا السؤال جدير بالطرح، إذ لا يعقل أن لا ينتصر أي طرف في الحرب. لكن كل واحد من الأطراف المباشرة للحرب يقول أنه انتصر. المقاومة تقول انها انتصرت، حيث لم تسلم الأسرى إلا بالتفاوض، و لم يتم تهجير سكان غزة قسرا، ولم يتم القضاء عليها نهائيا. ومن جهة إسرائيل يقول رئيس الوزراء بن يامين ناتنياهو أنه انتصر، لأنه سيعيد المخطوفين بفضل الحرب، وأنه دمر حمس بشكل كبير.

وبناء على السرديات أو المقاربات السابقة، يمكن القول أن حماس انهزمت في الحرب لكن انهزامها تاكتيكي، وحققت انتصارا استراتيجيا ستتضح معالمه مع مرور الوقت. أما إسرائيل فقد حققت نصرا تاكتيكيا كبيرا، لكنها انهزمت انهزاما استراتيجيا لا مثيل له سوف تظهر معالمه مع الوقت.

مؤشرات الهزيمية والنصر الإستراتيجيين

من مؤشرات النصر التاكتيكي لإسرائيل هو عدد الضحايا الفلسطينيين، وحجم الدمار الهائل، وربما دخول قوات دولية إلى غزة لضمان أمن إسرائيل مستقبلا طبقا لخطة ترامب ومخرجات القمة الدولية بشرم الشيخ المرتقبة يوم الإثنين 13 أكتوبر 2025 بحضور نحو 25 دولة. هذه المؤشرات وغيرها طبعا، هي ذاتها مؤشرات الهزيمة التاكتيكية للمقاومة الفلسطينية بكل مكوناتها.

ومن مؤشرات النصر الإستراتيجي لحركة المقاومة الفلسطينية، هو زيادة عدد الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية والذي ناهز أو تعدى 150 دولة بما فيها دول غربية وازنة على غرار بريطانيا وفرنسا، ووصل الأمر إلى حد المقاطعة الدبلوماسية لإسرائيل داخل مبنى الأمم المتحدة، عندما ألقى ناتنياهو كلمته أمام قاعة شبه فارغة عندما انسحبت معظم دول العالم ولم تستمع إليه. وربما كان ذلك أحد أهم العوامل التي جعلت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعجل بفرض وقف اطلاق النار بموجب خطته غير الواضحة لحد الآن.

يضاف إلى ذلك التغيّر غير المسبوق في موقف الرأي العام الدولي لإسرائيل، حيث أضحت الشوراع في المدن الأوروبية تعج كل أسبوع بالمتظاهرين المنددين بإسرائيل والداعين لمحاكمتها يتهم جرائم الحرب، والمؤيدين بإقامة الدولة الفلسطينية. ولعل ما حدث يوم 11 أكتوبر 2025 بمدينة أوسلو النرويجية لم يتوقعه أحد، عندما حاصر مواطنو النرويج ملعب كرة القدم الذي احتضن مباراة النرويج ضد إسرائيل في تصفيات المونديال 2026، حيث رفعوا شعارات مناوئة لإسرائيل وحملوا البطاقات الحمراء في وجه منتخب إسرائيل ودعوا إلى تجميد مشاركتها في الألعاب الأوروبية والعالمية، وأطلقوا صافرات الإستهجان عندما عزف النشيد الإسرائيلي.

ولا يمكن أن نغفل الملاحقات القضائية في المحاكم الدولية للقادة الإسرائيليين ولزعماء الدول المؤيدين لهم على غرار رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني.

هذه المؤشرات وغيرها، سيكون لها تأثير مستقبلي بالغ الأهمية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي بصفة عامة، وفي مسار القضية الفلسطينية بصفة خاصة.

خطة ترامب: هل هي محكمة نورنبورغ؟

يرى بعض المحللين، أن خطة ترامب وقمة شرم الشيخ بمصر يوم 13 أكتوبر 2025، قد تكون بمثابة محكمة نورنبورغ التي أقامها الحلفاء لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تسمى محكمة المنتصر، فلم تكن محايدة أبدا لأن القضاة كانوا من دول الحلفاء، وحرم الألمان حتى من حقوق الدفاع.

قد تسعى خطة ترامب لتحويل الإنتصار الإستراتيجي للمقاومة إلى هزيمة استراتيجية بنزع سلاحها وإنشاء قوة دولية لتسيير غزة، لكن بالنظر للتجارب السابقة خاصة بالنظر لاتفاقيات أوسلو، يمكن القول أن ذلك صعب للغاية. فبدون إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأقل في حدود 1967 سيحمل الجيل الذي عاش حرب طوفان الأقصى راية المقاومة حتى إن تم حل المقاومة الحالية بالقرارات والمؤتمرات.


*المقال القادم: من الفيتنام إلى طوفان الأقصى: مقاييس النصر والهزيمة

تاريخ Oct 12, 2025