من كان يعتقد أن فلسطين (القضية والمأساة) ستجد نفسها شيئا فشيئا بين أيدي الجماهير الأوروبية الغاضبة على مواقف حكوماتها من حرب الإبادة التي تدور رحاها حاليا في غزة ولبنان.
من كان يعتقد أن هذه الجماهير ستحول صمت حكوماتها إلى تيفوهات، وتواطؤ مسؤوليها إلى صخب، ودعم شركاتها إلى اشتباكات دامية سرعان ما حولها الإعلام الموبوء إلى أحداث ضد اليهود أو إلى هلوكوست جديد من باب معاداة السامية.
والحقيقة أن اللعبة الإعلامية (خاصة في الإعلام الفرنسي) هذه المرة مكشوفة بالجماهير الصهيونية في أحداث أمستردام رددت شعارات عنصرية وهتافات نازية وامتنعت عن الصمت لدقيقة واحدة فقط تكريما لضحايا إعصار دانا في فالنسيا الإسبانية.
وحتى أثناء تلك اللحظة التي صدمت العالم قام هؤلاء العنصريون بالتصفيق والتصفير ثم إشعال الألعاب النارية، والمبررات مواقف إسبانيا التي يحفل بها القريب قبل البعيد.
لكن الإعلام المجافي للملاعب هذه المرة يعلم أن القضية لم تعد في غلاسكو، هذا النادي وتلك المدينة في اسكتلندا التي تجعل من الراية الفلسطينية رايتها ومن الهتاف لفلسطين هتافها، وهي تصخب وتغني، وتصمت وتحتفي بصوت واحد "تحيا فلسطين"، "غزة حرة".
هذه المرة نحن أمام ألتراس في تركيا في فرنسا في هولندا وفي أماكن أخرى سيكون من الصعب إقناعهم بأن ما يحدث في فلسطين هو دفاع عن النفس وأن حماس حركة إرهابية وأن إسرائيل لا تقتل المدنيين.
وسيكون أيضا من الصعب منعهم من حمل الرايات وتوشح الكوفيات وترديد الهتافات، وهم يلاقون النوادي الصهيونية القادمة الشرق، من مكان هو ليس أوروبا، ولا علاقة له بأوروبا تاريخا وجغرافيا.
كما سيكون من الصعب إقناعهم بأن المكابي سواء في تل أبيب أو حيفا هي نوادي صهيونية وتكفي نقرة واحدة في جوجل حتى يجد المهتم أن المكابي كان جمعية مصرية أسسها اليهود المصريون حين كانوا بين المسلمين وقبل أن تغرر بهم الحركة الصهيونية فيتحول العرب إلى عدو وتصبح فلسطين وطنهم الحصري.
وعلى ماكرون والآخرون الآن بعد أن عاقبوا اللاعبين طويلا على دعم غزة أن يفكروا في كيفية التعامل مع الجماهير الرياضية خلال التظاهرات الأوروبية المقبلة التي سيكون خلالها العلم الفلسطيني حاضرا وتكون فيها هتافات الفدائيين جزءا من الجوقة الرياضية.
ماذا سيفعل حين تتلاحم الألترس، وتتحول الساحات إلى ميادين للحرب، وقد حول الهوليجانز اليهود ملاعب كرة القدم إلى غزة وجباليا أخرى.
هل سيمنع ماكرون الهتاف، لقد أهان الإسرائيليون جنوده في القدس، ولم يحرك ساكنا.
لطفي فراج