الحراك الإخباري - محمد بن العباس التلمساني...مُفتي الزيّانيّين في القرن التّاسع الهجري
إعلان
إعلانات الصفقات العمومية - ANEP
إعلان

محمد بن العباس التلمساني...مُفتي الزيّانيّين في القرن التّاسع الهجري

منذ 4 سنوات|الأخبار


في رحلتنا التاريخية مع أعلام الجزائر تستوقفنا اليوم شخصية سيدي محمد بن العبّاس التّلمساني، من علماء القرن التّاسع الهجري، ولد على الأرجح بين سنتي 788-790 هـ 1386-1388 م بتلمسان، عاصمة الدّولة الزِّيّانيّة آنذاك بحيّ العُبّاد العتيق بأعالي المدينة خارج أسوارها ولذلك عُرف بالعُبّادي.

كانت مدينة تلمسان في العصر الوسيط تزخر بحركة علمية وافرة بصفتها عاصمة لدولة بني زيّان، وقد وفد إليها العلماء من كافة أرجاء المغرب الأوسط خاصّة وباقي البلاد المغاربية والأندلس عامة. وكان الصبيان ينشئون بها على حفظ القرآن ومبادئ العربية وبعض علوم الدين. فمن وُفّق إلى طلب العلم واصل في ذلك وإلّا انصرف إلى التجارة والفلاحة والحرف. وبها نشأ محمد بن الشيخ الصالح أبي الفضل العباس وجد في طلب العلم حتى صار أهم علماء تلمسان بزمنه. ومن أبرز من ذُكر من شيوخه :

قاسم بن سعيد العقباني، أبو الفضل(توفي سنة 854 هـ 1450 م):

كان من أبرز علماء تلمسان بعصره. وهو كبير بيت العقباني وبقيتهم ووريث علمهم بتلمسان بزمنه، أخذ عن أبيه الإمام العالم أبي عثمان سعيد العقباني وجماعة من العلماء. قال عنه ابن العباس :"شيخنا مفتي الأمة علّامة المحقّقيين وصدر الأفاضل المُبرزين، آخر الأئمة".

 الحفيد بن مرزوق (توفي 842 هـ 1438 م):

حفيد ابن مرزوق الخطيب المشهور و كبير آل ابن مرزوق بتلمسان بعصره. كان من كبار علماء الغرب الإسلامي، أخذ عن أبي عثمان سعيد العقباني و جده الخطيب شمس الدين محمد بن مرزوق وابني أبي عبد الله الشريف التلمساني و جماعة من العلماء.

 أبو يحي عبد الرحمن بن أبي عبد الله الشريف التلمساني (757 هـ 1356 م – 826 هـ 1423 م):


 العالم المشهور الابن الأصغر للإمام الشريف التلمساني . قال عنه ابن العباس : "هو الإمام العلامة الأوحد، شريف العلماء وعالم الشرفاء آخر المفسرين من علماء الظاهر والباطن ابن العلماء الأئمة الكرام".

وقد جمع ابن العباس من شيوخه علم أهل تلمسان من آل العقباني وآل ابن مرزوق وآل أبي عبد الله الشريف التلمساني شيوخ شيوخه

و عبد الرحمن أبي زيد و عيسى أبو موسى ابني الإمام البرشكي التنسي و هما شيخا الخطيب بن مرزوق. وهذا ما يفسر تبحره في العلم ونيله الرئاسة بتلمسان.

مكانته العلميّة

كان محمد بن العباس من أعلام تلمسان الظاهرين و قد آلت إليه الرئاسة بها بعد وفاة شيخه الإمام قاسم العقباني، حتى قال التنبكتي: "وبالجملة فهو من أكابر علماء تلمسان و أكبر أئمة وقته بها" و يشهد على ذلك أيضا ما وصفه به تلاميذه و معاصروه و من من ترجم له من بعده إذ وصف ب: "الإمام" و هو لقب عادة ما يصاحب ذكره، "العلّامة" ، "المحقق" ، "النظّار" ، "المُتفنّن" ، "الحُجّة" ،"العالم المطلق"، "شيخ المفسرين و النحاة، العالم على الإطلاق"، "مُفتي تلمسان" ، "شيخ تلمسان و عالمها" ، "شيخ الشيوخ بوقته".

وكان إماما و خطيبا بجامع العباد وكان يلقي به دروسه وكان يدرس بجامع أبي إسحاق الطيار أسفل العباد و بتلمسان.

وكان ابن العباس ذا شخصيّة قويّة، واثقا من نفسه، مُعتدا بعلمه. و ذكر ذلك محقق كتابه " تحقيق المقال وتسهيل المنال في شرح لامية الأفعال" بما نصّه: "شخصيّة ابن العباس من خلال شرحه للاميّة الأفعال، و من خلال ما كتب عنه طلّابه الأعلام العلماء، شخصيّة قويّة، تبرز في أكثر صفحات شرحه ل"اللّاميّة" من خلال التعليقات التي علق بها على ابن مالك، و على غيره من أمثال أبي حيان الأندلسي، و مكي، و جماعة من الأعلام الأفذاذ، منهم من ذكره بالاسم، و منهم من اكتفى بالتعريض به و انتقاده بكيفيّة حازمة و قويّة، دالّة على أنه واحد من العلماء الأعلام المعتدين بعلمهم، و الواثقين من صحّة أقوالهم، و قوة حفظهم، و سداد آرائهم، و تنوّع ثقافتهم، و عمق معارفهم".

وقد تولى ابن العباس خُطة الإفتاء بتلمسان، أي أنه تولى منصب المفتي من قبل السلطان الزيّاني. و نقل الونشريسي في كتابه "المعيار المعرب" بعض فتاوي شيخه ابن العباس.

وعاصر ابن العباس السلطانين الزيّانيين أبو العباس أحمد المعتصم بن أبي حمو الثّاني المشهور بالعاقل (1431م-1461م) وخليفته أبو عبد الله محمد المتوكل بن أبي زيّان(1461م-1468م). وعرف الأوّل بحبه و تشجيعه للعلماء و كان يُشبه بأبيه السلطان أبي حمو الثّاني وعرف الثاني بتوقيره للعلماء و ذكر عبد الباسط بن خليل أنه رآه يقبل يد الشيخ أحمد بن الحسن الغماري.

وكان الإمام ابن العباس ذا كلمة عند السلطان مثلما تقدّم في طلبه لإيواء ابن زكري في مدرسة العباد (المدرسة الخلدونية) و كان أيضا مُقدما في مجلس العلماء بين يدي السلطان يفتتح الدروس و الشروح و كان بعض الفقهاء يحسده على ذلك كما ذكر ابن مريم. و كان السلطان يسأله عن طلبة العلم و العلماء الصاعدين كابن زكري.

وفاته ومصنفاته

   من أبرز آثاره " تحقيق المقال وتسهيل المنال في شرح لاميّة الأفعال"، "شرح جمل الخونجي"، "تنزيه الأنبياء عن فرية الإلقاء"، "الإنصاف في ما في لفظ أبي هريرة من الانصراف".

توفي رحمه الله بالطاعون الذي عم تلمسان في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 871ه‍ الموافق لواحد وعشرين من يوليو سنة 1467م وعمره فوق الثمانين سنة ودفن بالعُبّاد.


ق/و

تاريخ Jun 5, 2021