مع استعداد الحكومة البرتغالية لبيع 51% من حصتها في شركة طيران تاب البرتغالية، تبرز أمام الجزائر فرصة نادرة لتحوّل "الخطوط الجوية الجزائرية" من ناقل إقليمي محترم إلى لاعب دولي رائد. وبينما يبدي أكثر من عشر جهات اهتمامها بشراء هذه الحصة، بما في ذلك كبرى مجموعات الطيران الأوروبية، فإنّ دخول الجزائر على خط الاستحواذ لن يقتصر على اقتناء شركة أوروبية فحسب، بل يضمن لها مكانة محورية في أوروبا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية دفعة واحدة.
أصل القيمة الاستراتيجية: شركة قوية تخرج إلى السوق
صادقت الحكومة البرتغالية في الفترة الأخيرة على خصخصة 51% من رأسمال "تاب" البرتغالية للطيران، مع خطط لإتمام عملية البيع بحلول عام 2025. وبحسب التصريحات الرسمية، جذبت الصفقة اهتمام كبرى مجموعات الطيران والمستثمرين، وهذا أمر متوقع نظراً لمكانة "تاب" الراسخة. تأسست "تاب" عام 1945، وهي عضوة في "تحالف ستار" الدولي، وتتمتع بشبكة واسعة تربط أوروبا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، لاسيما البرازيل.
تمتلك الشركة أسطولاً حديثاً يضم أكثر من 80 طائرة، بينها طائرات "إيرباص" جديدة من طراز "إيه 330 نيو" و"إيه 321 إل آر"، ما منحها ميزة في الأسواق بعيدة المدى. وقد أعلنت مؤخراً عن تحقيق أرباح بقيمة 72.2 مليون يورو في النصف الأول من عام 2023، مما يعكس تعافياً مالياً متيناً بعد فترة صعبة نتيجة الجائحة، إلى جانب سياسة ناجحة في خفض الديون.
لماذا على الجزائر و"الخطوط الجوية الجزائرية" اقتناص الفرصة؟
لا تقتصر أهمية الاستحواذ على "تاب" على مكسب امتلاك شركة أوروبية مرموقة، بل يكمن في ما ستمنحه هذه الخطوة للجزائر من نقلة نوعية هائلة. فمن خلال "تاب"، ستقفز "الخطوط الجوية الجزائرية" مباشرة إلى مصاف الناقلين الدوليين الكبار. وتشمل المكاسب المحتملة:
1. حجم فوري وأساطيل جاهزة
عوضاً عن الانتظار سنوات طويلة لتسلم طلبيات طائرات جديدة، ستتمتع الجزائر فوراً بأسطول حديث جاهز للعمل. يمتلك هذا الأسطول أحدث الطائرات القادرة على تسيير رحلات بعيدة المدى، ما يختصر الوقت والجهد والتكاليف ويضع "الخطوط الجوية الجزائرية" في موقع قوة.
2. توسّع جغرافي نحو ثلاث قارات: أوروبا، إفريقيا، وأمريكا الجنوبية
o أوروبا: ستتيح لشبونة، مركز عمليات "تاب"، الوصول السهل إلى أهم العواصم الأوروبية، مما يمكّن "الخطوط الجوية الجزائرية" من تقديم خيارات سفر واسعة للعملاء في أوروبا، سواء للسياحة أو الأعمال.
o إفريقيا: ترتبط الجزائر جغرافياً وثقافياً بالقارة الإفريقية، ومع شبكة "تاب" الأفريقية، يمكن تعزيز النقل الجوي بين دول القارة، وجعل الجزائر مركزاً محورياً للسفر الإقليمي.
o أمريكا الجنوبية: هذا هو مكمن التميز. "تاب" تتمتع بحضور قوي في البرازيل ودول أخرى في أمريكا الجنوبية، ما يعني أن الاستحواذ يفتح أبواباً مباشرة نحو هذه الأسواق المهمة، التي يصعب الوصول إليها من قبل معظم الشركات الأفريقية الأخرى.
3. رفع القدرة التنافسية دولياً
في وقت تتقدم فيه "الخطوط الجوية الإثيوبية" بخطى واسعة نحو صدارة القارة الأفريقية، عبر توسع أسطولها وبناء أكبر مطار في إفريقيا، يمكن للجزائر، من خلال الاستحواذ على "تاب"، أن تلحق بركب المنافسة العالمية وتختصر سنوات من النمو التدريجي. ستكون للجزائر بوابة نحو أسواق عبر الأطلسي، لتصير واحدة من القوى الإقليمية القادرة على مواجهة اللاعبين الكبار.
4. تنويع مصادر الدخل بالعملة الصعبة
يعمل قطاع الطيران الدولي في الغالب بالعملات الصعبة، سواء في مبيعات التذاكر أو عقود الإيجار والصيانة. من خلال الاندماج مع "تاب"، ستتوفر للجزائر فرصة لتعزيز إيراداتها بالدولار الأمريكي واليورو، مما يعزز الاستقرار المالي ويتيح تنويع موارد الاقتصاد الوطني.
5. دعم السياحة والتجارة والاستثمار
امتلاك شركة طيران عالمية سيسهّل الترويج للجزائر كمقصد سياحي، فضلاً عن تحويلها إلى معبر إستراتيجي للراغبين في السفر من أوروبا وأمريكا الجنوبية وإليهما. كما سيشجع ذلك تدفق الاستثمارات الأجنبية وينعش حركة الشحن الجوي والتجارة، ويوفر فرص عمل ويعزز البيئة الاقتصادية الشاملة.
الوقت عامل حاسم: فرصة لا تُفوَّت
يشير الاهتمام الشديد من قبل عمالقة الطيران الأوروبيين، مثل مجموعة "لوفتهانزا"، وتحالف "إير فرانس-كي إل إم"، والمجموعة الدولية للطيران (الشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية و"إيبيريا")، إلى أن هذه الصفقة مغرية للجميع. هذه المجموعات تدرك القيمة الاستراتيجية لـ"تاب"، وإذا نجحت في الاستحواذ عليها، فستضيع على الجزائر فرصة تاريخية نادرة.
بادرَت الخطوط الجوية الإثيوبية بالفعل إلى وضع خطط ضخمة للاستثمار في أسطولها وبنيتها التحتية، وتهدف لتتربع على عرش الطيران الأفريقي. أمام هذا المشهد، لن تستطيع "الخطوط الجوية الجزائرية" منافسة هذه القوى الصاعدة ما لم تقفز خطوة عملاقة إلى الأمام. ولا توجد قفزة أكبر من امتلاك "تاب".
قرار تاريخي لرسم مستقبل الجزائر في الطيران العالمي
خصخصة شركة عريقة وناجحة مثل "تاب" البرتغالية ليست حدثاً يتكرر كثيراً. فالشركة التي استعادت توازنها المالي وتتمتع بشبكة خطوط منتشرة عبر ثلاث قارات، وأسطول حديث، باتت متاحة لمن يتحلى بالجرأة والرؤية الإستراتيجية.
لو اتخذت الحكومة الجزائرية هذه الخطوة، فستكون قد حجزت مكاناً مرموقاً في خارطة الطيران العالمية، معززة مكانتها الاقتصادية والسياسية، وزيادة نفوذها في الأسواق الدولية. وبصفقة واحدة، قد تتحول "الخطوط الجوية الجزائرية" من مجرد ناقل إقليمي إلى قوة جوية عالمية.
باختصار، لن يقتصر الأمر على شراء حصة في شركة طيران أوروبية، بل سيتعلق بصناعة مستقبل جديد للجزائر في مجال الطيران، وتعزيز روابطها مع العالم، وتنمية قدراتها الاقتصادية في عصر تتداخل فيه المصالح الدولية بشكل متسارع. إنها فرصة ذهبية يجب اغتنامها.
يزن باسط