الحراك الإخباري - الشيخ أحمد المغيلي التواتي المرابطون ……
إعلان
إعلان

الشيخ أحمد المغيلي التواتي المرابطون ……

منذ سنة|دين



إن تحمل أعباء نشر هذا الدين والقيام بتدريس علومه أمر جليل، لا يصبر عليه إلا المحتسبون، ولا يستمر عليه إلا أولو الألباب والنُّهَى .
وإنَّ عجبَكَ لا ينتهي من نمط حياتهم، بل يزداد إِكباركَ لهم بمقدار علمك بالتحديات التي تراود من يرابط على سد تلك الثغور .
ومن هؤلاء سيدي الشيخ أحمد بن محمد الشيخ، الشهير بالحاج أحمد المغيلي، حفظه الله تعالى .
والشيخ المغيلي من ذلك الغرس الطيب الذي زرعته تلك اليد الصادقة الأمينة يد الشيخ الجليل سيدي محمد بلكبير، عليه رحمة الله ورضوانه .
لقد اندرج في صفوف طلابه مع كوكبة من أترابه من نفس القرية "أنزجمير" بمدينة أدرار، ورفقاؤه هم الشيخ سيدي الشيخ محمد المكي، والشيخ سيدي محمد حسان الأنصاري . درسوا سوية عند ذلك العلامة .
وسرعان ما ظهر نبوغهم وتجلى جِدُّهم، فصار كل منهم شيخا في محاضر مدرسة الشيخ الوقور محمد بلكبير ..
فكان الشيخ المغيلي المسؤول عن الطلبة في مدرسة، أي عن استيقاظهم وانضباطهم ودراستهم، أو كما يسمى في الزوايا "مقدَّم الطلاب"، وكانت له من الهيبة في قلوبهم ما ليست لأحد غيره .
بالإضافة إلى مشيخته وإشرافه على تحفيظ القرآن الكريم في إحدى المحاضر التابعة لمدرسة شيخه .
كما كان له أيضا درس ثابت بعد العصر في مسجد شيخه في مختصر خليل في الفقه .
هذه الوظائف كلها إبان حياة شيخه الشيخ بلكبير رحمه الله تعالى .
وهو اليوم وقد ناهز السبعين ما زال مواظبا على التعليم بنفس الجدية والصرامة ذاتها .
لما زرتُه في مدرسته التي أسسها في قريته "أنزجمير" بعد وفاة شيخه وجدته في حدود التاسعة صباحا يُعنى بتعليم القرآن لشتى الفئات العمرية، حتى الصبيان رغم شغبهم.. وهو الشيخ السبعيني، والله لقد أَكْبَرْتُ فيه هذه الهمة وهذا الصبر وهذه المواظبة مع القوة والصلابة .
بينما اليوم رغم وجود الكثير من الحفاظ الشباب تجد المدارسُ القرآنيةُ عسرا ومشقة في إيجاد معلمِ القرآن الجادِّ المنضبطِ.. فتأملْ معي حال هذا الشيخ الفاضل ..
برنامجه اليوم، يبدأ بيوم السبت بعد صلاة الصبح جماعة في المسجد، تكون جلسة حفظ القرآن الكريم، وذلك بتصحيح ألواح الطلاب من حيث الرسم والضبط، ثم تَقْوِيمِ القراءة، حيث يخلو الطالب بنفسه بعدها مكررا الآيات التي صُححت له، ليُتقن حفظها، وفي الختام يعرض على الشيخ لينظر حفظه لها .
تستمر الجلسة القرآنية إلى العاشرة صباحا . ثم تتلوها الجلسة الثانية العلمية، وهي حصة في الفقه واللغة، يدرس الشيخ فيها متون المذهب المالكي، بدأ بابن عاشر فالرسالة فأسهل المسالك وختاما بمختصر سيدي خليل .
وفي قواعد اللغة العربية كالآجرومية، وألفية ابن مالك .
ويبقى الشيخ مع الحصة العلمية إلى الظهيرة، ويتوقف في حدود الساعة 12:30.
وبعدها يأتي وقت وجبة الغذاء، ثم تتلوها الراحة والقيلولة .
وبعد العصر يكمل متابعة عرض القرآن لمن لم يُسَمِّعْ له في الصباح من الطلاب .
فإذا فرغ يذهب لغرفة الضيوف ليجالسهم .
وبعد أداء صلاة المغرب تأتي الحصة الثانية العلمية وتستمر إلى العشاء..
وعدد طلبة مدرسته كثير .. في حدود المئتين، وفي العطلة الصيفية يتضاعف العدد .
هذا هو البرنامج اليومي .. عدا الخميس والجمعة، فهما يَومان للراحة، ويكون فيها الجلوس يستقبل الشيخ الضيوف في المضافة والإجابة عن أسئلتهم وانشغالاتهم، مع الإكرام بالشاي الأخضر والتمر، مع تقديم وجبتي الغداء والعشاء أيضا .
هذا كله مع المواظبة على إمامة الصلوات الخمس بالجامع ..وهذه وحدها تضيق عنها نفوس البعض ممن يتقاضى الأجرة عليها مع التهرب منها .
لا يعرف العُطل صيفا أو شتاء.. اللهم إلا إذا كان في رحلة للمناسك، أو لمناسبة دينية يذهب الطلاب إلى بيوتهم ليشاركوا أهاليهم فرحتها .
سألتُه أسئلة دقيقة في فقه الأسرة وباحثته في قضايا معاصرة متعلقة بالمعاملات المالية فوجدته الفقيه النابه، وصاحب العقل الراجح، والفكر المتزن، والصدر الرحب، له قدرة وبراعة في تخريج المسائل الحادثة على نظائرها القديمة، مطلِّعٌ على معاملات الناس، له خبرة بشؤونهم .
نعم .. بمثل تلك المنزلة العلمية مع صلاح بادٍ، وتقوى مشهود له بها، وزهد واضح.. يعيش في طرف من نواحي قريته في عمق الصحراء في مدينة أدرار..وهو الفقيه الخريت .
لا يهتم ارتفع فلان أو انخفض علان..اشتهر زيد أو انكسف عمرو .. الذي يهمه أن يقوم بوظيفته، ويؤدي واجبه نحو أبناء أمته .. بكل هدوء وصمت .. حتى يلقى الله وهو عنه راض .
بمثل هذا الشيخ الرباني فليقتد الأئمة والدعاة والأساتذة ..
في صبره وتفانيه واحتسابه ومواظبته ..
بالمناسبة سألتُ الشيخ هل يَقْربُ العلامة المجاهد الشريف محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني، دفين أدرار، المتوفى سنة 909 هـ، فقال: "لا، ولكن هو لقب أُطلق علينا فقط بلا قرابة" .
حفظك الله سيدي الشيخ، وأمتع بك، وجعل الخير على يديك، والبركة في طلابك، وأعطانا مما أعطاك . آمين يا رب العالمين .
_________________
 (د. عبدالعزيز بن سايب هو أستاذ محاضر بجامعة الأمير عبدالقادر بقسنطينة)

تاريخ Jun 6, 2022