الحراك الإخباري - التجارة الإلكترونية تفك العزلة عن المرأة الريفية وتفتح لها باب الرزق.
إعلان
إعلان

التجارة الإلكترونية تفك العزلة عن المرأة الريفية وتفتح لها باب الرزق.

منذ سنة|روبرتاج

لم يعد مجال الإقتصاد الرقمي في الجزائر حكرا على فئة الشباب و المثقفين من اصحاب الشهادات وكبار التجار فقط، اليوم حتى الاشخاص البسطاء  المعزولين و البعيدين كل البعد عن مجال الرقمنة اقتحموا عالم التجارة الإلكترونية... سائقوا سيارات الآجرة  أصحاب الحرف و المهن الحرة، وحتى رعاة الأغنام والفلاحون، الجميع اليوم اصبح يملك صفحة على الأقل على احد وسائط التواصل الاجتماعي لعرض خدماته والترويج لمنتوجاته.

المرأة الريفية كانت الأوفر حظا بين كل هؤلاء، نظرا للظروف و المحيط الذي تقطن به، وذهنية المجتمع الريفي التي جعلتها  تعاني من العزلة و التهميش، بالإضافة إلى بعد المسافات عن المدن و الاسواق و نقص وسائل النقل،  وكذا الذهنية الزوج أو الأسرة الرافضة لفكرة خروج المرأة للعمل.

كل هذه الأمور جعلت المرأة الريفية تجد في  التجارة الإلكترونية سبيلها الوحيد لفتح باب الرزق على نفسها، و الخروج من قوقعة العزلة و التهميش للتواصل مع العالم الخارجي، عن طريق اطلاق مشاريعها الخاصة وإنشاء متاجرها الإلكترونية من المنزل و الترويج عبر منصات و وسائل التواصل الاجتماعي التجارية، مستغلة في ذلك التقدم الكبير الذي أحرزته الجزائر في مجال الرقمنة.

"(البوفجوخ) التڨرتي على موائد أرقى  المطاعم بالعاصمة" 

"زيانشي حبيبة" أربعينية من  ولاية "تڨرت"  تقطن بقرية "اولاد بلمو" تروي تجربتها مع التجارة الإلكترونية "للحراك الإخباري".. بدأت قصتي مع التجارة الالكترونية، بعد وفاة زوجي، بقيت دون اي مصدر رزق عدا ما يجود به علي بعض المحسنين، الحاجة دفعت بي الى صنع سلطة الفلفل المصبرة او ما يعرف عندنا ب "البوفجوخ" و بيعها للأقارب والجيران.

و كان ابني الأكبر  يتسلى بنشر بعض المقاطع لي في حسابه على منصة " تيك توك" اثناء عملية تحظيري و تقطيعي للفلفل، هذه المقاطع ساعدتني  في تلقي عدة طلبيات، و لكن لم استطع تلبيتها كلها بسبب بعد المكان، وبعد ملاحظتي لكمية العروض التي كنت اتلقاها في اليوم الواحد، قررت البحث عن حل مناسب لتغطيتها و توسيع نشاطي، هنا كانت انطلاقتي، أنشأت صفحة على "فايسبوك"و "تيك توك" اسميتها "بوفجوخ حبيبة التڨرتي"  و تعاقدت مع عدة شركات توصيل لتسليم الطلبيات، و قمت بتفعيل بطاقتي البنكية لتسهيل عملية الدفع على زبائني خاصة و انني اصبحت اتعامل مع أرقى المطاعم بالمدن الكبرى و اتلقى طلبيات ضخمة. 

اليوم لدي  ورشتي الصغيرة بمنزلي، لصناعة "البوفجوخ" تعمل بيها حوال 12 امراة  من الأقارب والجيران، تنتج يوميا حوال 100 كغ من "البوفجوخ" أقوم بتسويقها كلها عبر شركات التوصيل إلى أرقى المطاعم والفنادق عبر عديد الولايات، وأغلب زبائني من صفحتي على التيك توك والفايسبوك.  

"أمهات وربات بيوت يدرّن رؤوس أموال ضخمة من منازلهنّ.

"قوادري حنان" ثلاثينية من ولاية خنشلة بقرية "الشبلة" لم يسعفها الحظ لمواصلة دراستها، اليوم هي صاحبة متجر إلكتروني "Hanan fachino" برأس مال يتجاوز 300 مليون دج، تقول " حنان" كل شيء تم إلكترونيا، انشاء المتجر، الدفع، شراء السلع وبيعها، التعامل مع شركات الشحن والتوصيل، حتى دورات التدريب في  التجارة الإلكترونية التي خضعت لها تمت عبر تقنية البث المباشر على منصتي "تيلغرام" و"تيك توك "

 وتضيف "حنان" بدأ الأمر عندما قمت بإقتناء بعض الفساتين من موقع معروف للاستعمال الشخصي، أثناء فترة الحجر المنزلي، ولم يكن لدي اي غرض تجاري، أعجبت صديقاتي بالفستاتين وطلبن شرائها مني  بالفائدة، منذ ذلك الحين  اصبحت اتصفح مواقع البيع أونلاين والمتاجر الإلكترونية، للبحث عن اي منتوج سعره مناسب وعليه طلب، أقوم بشرائه وإعادة تدوريه بين الأهل والجران، استمريت على هذا الحال لفترة".

"لحظة ادارك ان الاقتصاد الرقمي عالم مستقل بحد ذاته"

تواصل المتحدثة  "في مرة من المرات وأنا أتصفح  منصة "تيك توك" قابلت إعلانا لأحد الشباب يقدم خدمة إنشاء البطاقة الذهبية للأشخاص  الراغبين في ذلك مقابل مبلغ مالي مقدر 1000دج،  تواصلت معه، وقمت بتفعيل البطاقة وشرح لي كيفية استخدمها ومزاياها، وهنا أدركت أن التجارة الرقمية عالم مكتمل ومستقل بحد ذاته، تستطيع العثور فيه على كل ما تحتاجه للإنطلاق في مشروعك الخاص، من مصادر تمويل سلع وزبائن،  شركات الشحن التوصيل، والأهم من ذلك  منصات رقمية للدفع الإلكتروني وتسديد الفواتير، وحتى الحملات الإشهارية للتسويق والترويج... كل هذه الأمور كان علي إستغلاها  والإستفادة من خدماتها وعروضها.

قمت أولا بإجراء  عدة دورات تدريبية عن بعد في التجارة الكترونية والإقتصاد الرقمي، عبر منصات ووسائل التواصل الاجتماعي تعلمت من خلالها كيفية تحديد المنتجات التي سيقدمها متجري، واختيار الإسم المناسب للعلامة التجارية التي سأروج عن طريقها لسلعي، كذلك كيفية اختيار نطاق واستضافة المتجر الإلكتروني وبنائه وتصميمه بالإضافة إلى تحديد نظام الشحن والتخزين وتأمين المتجر الإلكتروني وتقنيات التسويق واستهداف الزبائن"... "بعدها مباشرة كانت الإنطلاقة، أنشأت متجري الإلكتروني الخاص بي لبيع العباءات  الخليجية والملابس الداخلية النسائية وأطلقت عليه اسم " hanna fachino" 

وتابعت تقول "تعاملت في البداية مع شركة الشحن للعباءات  الخليجية  من دبي، وشركة شحن للملابس الداخلية الخاصة بالنساء من الصين، قمت بالتواصل معهما عبر تيليغرام، وتم اتفاق بيننا على ثمن السلع، الكمية والنوعية وفاتورة الشحن، وتاريخ الإستلام، كنت احرص جيد في بداية مشروعي على أن تكون الشركة التي اتعامل معها مشهورة وكبيرة لها عملاء كثر من اجل تنجب التعرض للخداع والسرقة، لأن  كل معاملاتي المالية معهم كانت  تتم بطريقة رقمية بحتة عن طريق الدفع بالبطاقة الذهبية أو البنكية أو عبر منصات الدفع الإلكتروني، وكنت أشترط على شركة الشحن أن يكون لديها نظام تتبع الشحنات عبر الانترنت، حتى أستطيع عبره تتبع عملية الشحن سلعتي وطلبياتي من البلد الذي الى غاية تسلمها  بميناء الجزائر العاصمة... مباشرة بعد تسليم السلع تبدأ عملية التسويق والترويج  التي كانت بالنسبة لي أسهل من عملية شراء السلع والشحن والعثور على متعاملين موثوقين، خاصة وأني كنت أنظر إلى التعامل المالي الرقمي كمخاطرة كبيرة، أما تسويق المنتوج والترويج له عن طريق تصوريه وعرضه على صفحاتي التجارية كان أمر سهل وروتيني، على الرغم من مواجهتي لبعض المشاكل مع زبائني خاصة الذين يرفضون التعاملات المالية الرقمية ويشترطون دفع الثمن عند الاستلام، أو عدم امتلاكهم للبطاقة الذهبية و البنكية، و لكن أعتقد أن هذا الأمر سيزول مع الوقت.

وأخيرا تقول محدثتنا "أنا اليوم من قريتي الصغيرة هذه أتعامل مع شركات عالمية من مختلف الدول، وأتواصل عن طريق المعاملات المالية الرقيمة مع أشخاص لا أعرفهم وتفصلني عنهم آلاف الكيلومترات، ومن مستودع السلع الصغير هذا بمنزلي أوزع و أسويق  ماركات العباءات الخليجية الى 58 ولاية.

"مزيان باية " بائعة البيض العضوي أونلاين "

اية" سيدة عزباء في 50 من عمرها، تقطن بقرية" أمخلاف "بولاية بجاية، لديها مزرعة صغيرة لتربية البط والدواجن، بدأت قصتها مع التجارة الإلكترونية بعد قرار صاحب البقالة الذي كان يسوق لها بيض مزرعتها بالسفر إلى فرنسا وإغلاق المحل.

تقول باية " بعد غلق عمي عبد القادر المحل الذي كنت أبيع له بيض مزرعتي، أصبحت أوزع البيض على أهل القرية و الأقارب بالمجان... في إحدى المرات قامت بزيارتي ابنة أختي القاطنة بالجزائر العاصمة، من أجل قضاء بعض الأيام معي في المزرعة، كانت تحب أن تساعدني في أعمالي بالمزرعة وتلتقط الصور والفيديوهات وتنشرها عبر حساباتها على السوشل ميديا، حيث لاقت منشوراتها  استحسانا وتفاعلا كبيرا، الأمر الذي شجعني على الانطلاق في إنشاء حساباتي الخاصة على منصتي" الفايسبوك "تيك توك " أصبحت أنشر فيها روتيني اليومي في مزرعتي وكيفية الاعتناء بالدجاج وإطعامه وجمع البيض، عندما لاحظ المتابعون كمية البيض التي كما أجنيها من مزرعتي، بدأت تأتيني طلبيات من اجل شراء البيض العضوي... لم أكن على علم بوجود شيء يسمى البطاقة الذهبية، بمساعدة ابنة أختي قمت بتفعيل بطاقتي الذهبية، وغيرت اسم صفحتي على" تيك توك"، "فايسبوك" من صحفه شخصية إلى صحفية تجارية أسميتها" mes oeufs de ferme "وأصبحت فقط أقوم بتغطية الطلبيات القريبة من المنطقة التي أقطن بها، إلا أن تلقيت عرض من صاحب مطعم لتقديم الأكل الصحي بالعاصمة، بأن أكون الممول الأول لإحتياجات مطعمه من البيض العضوي، وهو من اقترح علي فكرة التعاقد مع شركات التوصيل، ومنذ ذلك الحين وأنا أبيع البيض العضوي أونلاين.

مضيفة، اليوم لدي في مزرعتي أكثر من 200 دجاجة تنتج لي يوميا ما بين 180الى170 حبة بيض يوميا، أقوم بتسويقها عبر شركات التوصيل إلى العديد من  محلات  السوبرماركت بالعاصمة وبومرداس، تيزي وزو، وبجاية.

قصص وأمثلة كثيرة عن نساء ريفيات من الأمهات وربات بيوت ماكثات بالمنازل، دون أي شهادة أو مستوى تعليمي، كانت التجارة الإلكترونية الملهم الأول لهن، ليصبحن خبيرات في مجال الإقتصاد الرقمي والتسويق الإلكتروني، برؤوس أموال ضخمة يدرنّها من المنزل عبر من منصات الرقمنة والدفع الإلكتروني.



روبورتاج:  هدى بلقاسم