سقوط مهني وأخلاقي مدوي ذلك الذي وقعت فيه "موند أفريك" وأفصح عنه أخيرا مديرها نيكولا بو بعد اعترافه بأنه استسلم لتأثير المساهمين الأقوياء ولإملاءاتهم بخصوص الخط التحريري للوسيلة الإعلامية التي تقدم نفسها كمنصة مستقلة للرأي والتحقيقات.
أداة لتشويه الخصوم وخدمة المصالح
وفي مساس خطير بأخلاقيات وأداب المهنة الصحفية وجه خلف الكواليس عدد من رجال الأعمال النافذين "موند أفريك" لحماية مصالحهم وتشويه سمعة خصومهم من خلال أسلوبين فجين منافيين للحرية الصحفية هما الرقابة الذاتية (المقص) وإنجاز المقالات حسب الطلب خدمة لقوى اقتصادية وسياسية معينة.
وتأكيدا لتحقيقات المنشورة في 24 سبتمبر الماضي حول هذه الفضيحة أكدت تصريحات نيكولا بو الخميس الماضي كيف تحولت الوسيلة الإعلامية التي رأت النور في 2013 إلى أداة لخدمة أجندة المساهمين وتصفية الحسابات في لبنان والمغرب.
ومن ذلك أن موند أفريك تجنبت نشر أي مقالات تنتقد رياض سلامة الحاكم السابق لمصرف لبنان المتهم بالاختلاس والمعتقل حاليا.
واعترف نيكولا بو بأنه أخفى بشكل عمدي "المغامرات المالية" لسلامة لأن مساهمي موند أفريك في لبنان دعموا ذلك ولاسيما أنطوان صحناوي ووليد البداوي وهما مساهمان مؤثران ومشاركان في هذه الحملة التحريرية التي أخفت الحقيقة ولم تحترمها.
المغرب في قلب الفضيحة الأخلاقية
وذكر التحقيق أن مساهما أخر في موند أفريك كان له أيضا تأثير واضح على الخط التحريري هو الملياردير الموريتاني محمد ولد بوعماتو الذي كان منفيا في المغرب.
واستعمل ولد بوعماتو موند أفريك من أجل نشر مقالات تمدحه وتروج له مع تجنب أي انتقاد لملك المغرب محمد السادس الذي كان الموريتاني جزءا من زبانيته وتحت كنفه وحمايته.
وكان الأمر الأكثر إدانة لهذه الممارسة غير الأخلاقية اعتراف نيكولا بو أن هذه الرقابة الذاتية (تجنب محمد السادس) كانت مرتبطة بشكل مباشر بضخ بوعماتو الأموال في موند أفريك.
ومع أن هذا الموريتاني الذي يخدم المغرب لم يعد مساهما في موند أفريك يخشى نيكولا بو من عودته إلى الصحيفة لأنه سيكون مضطرا من جديد لتجنب انتقاد محمد السادس وربما حذف بعض المواد المنشورة سابقا لتجنب الحرج مثلما حدث مع المادة الصحفية المتعلقة بعمر حرفوش.
التشهير، التشويش، وخدمة الفاسدين
وفي هذه الحالة نشرت موند أفريك مقالا ضد عمر حرفوش تم حذفت المقال لاحقا بدعوى أن شخصا مذكورا فيها رفع دعوى ضد الصحيفة بسبب التشهير دون أن يحدد نيكولا يو هويته.
واعترف ذات المتحدث بالخطأ عندما لم يذكر أن هذه المقالة ما هي إلا استنساخ لمقالة مماثلة نشرتها وسيلة إعلام لبنانية مملوكة لأنطوان صحناوي.
ويظهر سياق نشر هذه المقالة الهدف الذي كان يحاول أن يصل إليه الصحناوي وحلفائه الذين يوجدون في قلب عدة فضائح مالية وهو الإساءة إلى شخصية معروفة بالتزامها بمكافحة الفساد في لبنان.
كان هدف إعادة نشر مقالة بعد سنتين من نشرها في موقعها الأصلي الإضرار بالشخصية التي كانت في لحظة استراتيجية في مسارها ولم يعد بعد ذلك أي داعي لوجودها على الانترنت فقررت موند أفريك سحبها وكأنها لم تكن.
الصحافة المستقلة في العاصفة
وأكدت اعترافات الخميس التي أدلى بها نيكولا بو أن الصحافة المستقلة التي تتبجح بها الديمقراطيات الغربية أصبحت في العاصفة ولاسيما أن كثيرا منها وليس موند أفريك وحدها مارست وتمارس حاليا الدعاية لخدمة الممولين من ذوي النفوذ وتضحي بالأخلاقيات الصحفية لخدمة المصالح السياسية والاقتصادية.
وأضحت لموند أفريك وأخواتها أجهزة للتلاعب الإعلامي بالمتلقين على نطاق واسع ووسيلة لبث الأخبار الكاذبة والتحليلات الوهمية والأراء البعيدة عن الواقع والهدف طبعا خدمة من يضخون الأموال سواء بشكل مباشر أو من خلال الرشاوي والمخزن هنا لا يحتاج حتى إلى أن نشير إليه. إنه متورط.
لطفي فراج