الحراك الإخباري - المغرب من الداخل: "لاجيد" وكر الجواسيس الأول
إعلان
إعلان

المغرب من الداخل: "لاجيد" وكر الجواسيس الأول

منذ شهرين|رأي من الحراك


لم يعد خفيا على أحد، ذلك الصراع الذي طفا على السطح، بشكل علني عبر وسائل الإعلام، وبطريقة حادة في الأروقة الأمنية وداخل دهاليز المؤسسة الملكية في المغرب.

"الحراك الإخباري" ومن خلال سلسلة مقالات تحليلية بعنوان "المغرب من الداخل" يرصد الصراع الخفي بين أجنحة المخزن وسعيها الحثيث للسيطرة على مفاصل الحكم في ظل الموت الوظيفي للعاهل المغربي "محمد السادس" وعجزه عن أداء وظائفه الأساسية باعتباره المهيمن على الحياة السياسية والاقتصادية في البلد.

في الحلقة الأولى وما يليها من حلقات نتعرف على المخزن الأمني وصراعه الذي لا ينتهي، وهو تلك المؤسسات الأمنية والمخابراتية التي حولت المغرب إلى سجن كبير وبلغت فضائحها في الخارج عنان السماء وأهمها المخابرات الخارجية التي كانت بطلا لفضيحة التجسس الإلكتروني من خلال برنامج "بيغاسوس" وفضيحة الرشاوي الأوروبية "ماروك غايت" وعشرات الجواسيس الذين سقطوا في قبضة المخابرات (مكافحة التجسس) في فرنسا وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا وهولندا.

عندما خرجت "لاجيد" للعلن

"داخل إحدى البنايات التي أشرفت على تصميمها الهندسي وكالة الاستخبارات الأمريكية بحي السويسي بمدينة الرباط، يعمل حوالي 1.400 موظف بشكل يومي داخل "المديرية العامة للدراسات والمستندات"، الحصن الخاص بالمخابرات الخارجية المغربية".

"يجهل المارة أن تلك البناية المجاورة لدار المقري، المعتقل السري السابق، تسهر على أمن المملكة بالخارج ويعمل بها "جواسيس" بتخصصات متعددة داخل وخارج المغرب بهيكلة داخلية يحددها الملك شخصيا."

بهذه العبارات وصفت جريدة المساء المغربية "وكر الجواسيس الأول" في مقال بعنوان "الأدوار الجديدة لـ "لادجيد" نشر في 24 أغسطس/أوت 2008 قبل أن تضيف بأن "المهمة الرئيسية للجهاز الأمني الذي يديره ياسين المنصوري هي التجسس، عكس ما تقوم به "الديستي" وهو محاربة التجسس."

وللقيام بمهامها الاستخباراتية بفعالية، تتوفر "لادجيد" -وفقا لذات الجريدة- على ترسانة تكنولوجية متطورة خاصة في مجال البث والاستقبال وتقوم بتوظيف حاملي الشهادات العليا بشكل سري."

"لا يحتاج الجاسوس إلى وسيلة إخفاء مجردة فقط، بل كذلك إلى مهارة خاصة ليتقمص دورا للشخصية التي يختارها لكي يختفي، ومن المهم أن يكون ممثلا بارعا وسريع البديهة وقادرا على أن يواجه في ثبات واتزان أخطر المواقف وأعقدها، إذ بمجرد ما يتم كشف هوية الجاسوس، يتم طرده بهدوء من المديرية المركزية" تضيف اليومية الأوسع انتشارا ومبيعا في المغرب. (1)

"لاجيد" مهام تقليدية، وأدوار جديدة

تم إنشاء المديرية العامة للدراسات والمستندات في دواليب المؤسسة العسكرية المغربية بموجب القانون رقم 1.73.8 المؤرخ في 9 ذي الحجة 1392 الموافق 12 يناير 1973 وهو نص مقتضب لا يتضمن كثيرا من التفصيلات.

وتلحق المديرية العامة وفقا للفصل الأول من هذا القانون باللجنة العليا للدفاع الوطني ويعهد إليها بالمشاركة في المحافظة على أمن الدولة ومؤسساتها وهي تخضع لسلطة مدير عام.

تضم هذه المديرية العامة بالإضافة إلى ديوان المدير العام، إدارة مركزية وهيئات تمثيلية بالخارج تحدد اختصاصاتها وقواعد تنظيمها الداخلي على شكل مكاتب وأقسام وتركيبة الهيئات التمثيلية بالخارج بمقرر يتخذه رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الملكية المغربية.

كما يحدد نفس المسؤول العسكري النظام الأساسي للعاملين بهذا الجهاز يمكن لضرورة المصلحة ولطبيعتها الخاصة أن يتضمن أحكاما مخالفة للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية وللقوانين والأنظمة المطبقة على موظفي الدولة. (2)

ويقوم هذا الجهاز بمتابعة الأوضاع في محيط المغرب ولاسيما في الجزائر وموريتانيا نظرا لارتباطهما بالقضية التي يوليها المخزن أهمية استراتيجية وهي قضية الصحراء الغربية ولاسيما من خلال الترويج لأطروحة الحكم الذاتي.

وعلى هذا الأساس تتابع "لادجيد" عن كثب الأوضاع الداخلية والخارجية للجوار وفي كل مكان يتعلق بهذا الملف من خلال كل مكاتبها الداخلية والخارجية وتقوم بالتحرك حسب تطورات الأحداث سواء من خلال التدخل الدبلوماسي أو الأمني.

وإلى جانب هذه الأدوار تولي "لادجيد" عناية خاصة بما أسمته يومية المساء "حماية الاقتصاد المغربي من عمليات التجسس سواء داخل المملكة أو خارجها" ولهذا الغرض تم "إنشاء فرقة جديدة يوجد مقرها بالدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية".

و"تضم هذه الفرقة الأمنية حوالي 20 إطارا يراقبون معظم العمليات المرتبطة بالاستثمارات الأجنبية المهمة، وكل التحركات المشبوهة للأجانب الذين قد يكونون جواسيس مهمتهم قرصنة المنتجات أو الصناعات المغربية" حسب المساء لكن حماية شجرة الفساد التي يخفيها القصر الملكي قد تكون هدفا آخر.

وعلى الصعيد الدولي يقوم هذا الجهاز بالتنسيق مع أجهزة مماثلة لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بمواجهة التهديدات الأمنية المحتملة وتفكيك الشبكات الإرهابية والإجرامية العابرة للحدود وملاحقة المتورطين.

ويتضمن هذا العمل تقاسم المعلومات الخاصة بالحمض النووي وسجلات البصمات وأفلام كاميرات المراقبة وسجلات التنصت الإلكترونية ومعلومات الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع من دون طيار، والتدريب المشترك وتوحيد أنظمة المراقبة وغيرها.

وبعد تطرق المقالة السابقة لدور "لادجيد" في أعقاب انقلاب العسكر بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز على الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في 6 أغسطس/أوت 2006 وتفكيك شبكة بليرج التي كان يقودها مهاجر مغربي مقيم في بلجيكا وكانت تخطط لتنفيذ عمليات بالمغرب وبلجيكا بما في ذلك اغتيال شخصيات ومواطنين يهود، ذكرت أن "صديق الملك" (تقصد ياسين المنصوري المدير العام لـ "لادجيد") أعاد هذا الجهاز إلى واجهة الأحداث وجعله منافسا للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني المعروفة ب "ديستي" (3). الجهاز الذي حول المغرب إلى سجن.

ولكن من هو "صديق الملك"، أو "عين المغرب على العالم (4)"؟

يتولى محمد ياسين المنصوري الذي نشأ في بيت "فقه وعلم" ودرس في المدرسة المولوية مع الأمير محمد بن الحسن الذي سيصبح ملكا فيما بعد (الملك محمد السادس) رئاسة المخابرات الخارجية منذ عقدين من الزمن.

ولد المسؤول الأمني البارز في أبريل 1962 شمال المغرب وكان أبوه فقيها وقاضيا قام بفتح بيته للعلماء وطالبي العلم فنشأ المنصوري في هذه البيئة الدينية المحافظة التي تؤكد وسائل الإعلام المحلية أنها أثرت في شخصيته.

وقبل حصوله على ليسانس الحقوق ودبلوم الدراسات العليا في القانون العام من جامعة محمد الخامس بالرباط درس المنصوري رفقة الأمير آنذاك بالمدرسة المولوية "التي تحرص عادة على صناعة جيل جديد من حراس الملكية في المغرب".

وتدرب المنصوري في بداية التسعينات في الشرطة الاتحادية الأمريكية ثم التحق بديوان وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري (الرجل الثاني في عهد الملك الحسن الثاني). 

وأشرف على الانتخابات التشريعية في عهد الملك السابق وعين في 1999 مديرا عاما لوكالة المغرب العربي للأنباء (ومع) قبل أن يعود لمبنى الداخلية في 2003 واليا مديرا عاما للشؤون الداخلية.

ولم يمضي إلا عام واحد حتى تولى المنصوري (مارس 2004) واحدا من أهم المناصب الحساسة في البلاد وهو منصب المدير العام للدراسات والمستندات (جهاز المخابرات الخارجية المعروف ب "لادجيد").

وجاء تولي المنصوري لهذا المنصب بعد عام على تفجيرات 16 مايو 2003 التي ضربت الدار البيضاء وأدت إلى مقتل 45 شخصا ليكون أول مدني يعتلي "لادجيد" وينال ثقة الملك الذي درس معه وهو في السنوات الأولى للحكم.

العلبة السوداء للملك 

يوصف "التقي" برجل الظل ويقال عنه "العين التي لا تنام" وبأنه "ينصت أكثر مما يتكلم"، قارئ نهم للكتب ومتابع جيد لكل ما هو جديد فكريا وثقافيا على مستوى العالم هكذا تتحدث عنه آلة الدعاية المغربية.

وتواصل نفس البروباغندا البالية الحديث عن الرجل فتقول أنه "يحظى بسمعة طيبة وسط السياسيين ورجال الإعلام في المغرب بالنظر إلى الخصال التي يتمتع بها، وعدم وجود مناطق احتكاك بينه وبين التنظيمات السياسية، عكس بعض مساعدي الملك ومستشاريه".

وتذكر ذات المصادر أن المنصوري كان ضمن الفريق الذي ساهم في 2017 في عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي بعد أزيد من ثلاثة عقود من القطيعة وكان خلال هذه الفترة ملازما لرئيس الدبلوماسية المغربية صلاح الدين مزوار. (5)

ومن خلال علاقاته السياسية والاقتصادية وارتباطاته مع جماعات النفوذ ووكالات الضغط ينسج المنصوري شبكة معلومات عنكبوتية تمتد إلى الأحزاب السياسية، والشركات الاقتصادية، ووسائل الإعلام ومراكز التفكير والدراسات كثيرا ما اخترقتها أجهزة المخابرات الأوروبية ولاسيما في إسبانيا وبلجيكا. 

وبذراعه القوية "وزارة الخارجية" وجهازها المنتشر عبر العالم (السفارات والقنصليات) وقبضته الإعلامية المسماة "وكالة الأنباء المغربية" صنع المنصوري لنفسه جهازا أمنيا أضحى اليوم فاعلا رئيسيا في لعبة العرش ويحسب له ألف حساب في صراع المخزنين الفرنسي والصهيوني. (6)

مصادر:

 (1) سعاد رودي (2008، 24 أغسطس/أوت)، "الأدوار الجديدة لـ "لادجيد"، جريدة المساء المغربية، رابط مختصر: 

https://bit.ly/3ue5P2M

(2) - الجريدة الرسمية للمملكة المغربية، عدد 3.144 الصادرة بتاريخ 26 ذو الحجة 1392 الموافق 31 يناير/جانفي 1973، ص 298.

(3) - سعاد رودي، "الأدوار الجديدة لـ "لادجيد"، نفس المصدر.

(4) – شبكة الجزيرة الإخبارية القطرية هي التي استعملت هذا الوصف.

(5) - المنصوري.. عين المغرب على العالم، موقع الجزيرة، 11 ماي 2017، رابط مختصر 

https://bit.ly/3rZPwnl

(6) – جزء كبير من هذه المقالة اعتمد على كتاب "مملكة التجسس" للصحفي منصور قدور بن عطية، دار الوعي للنشر والتوزيع، مارس 2023.



جيلالي عبد القادر

تاريخ Jul 26, 2024